سورة القمر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


هذه {الناقة} التي اقترحوها أن تخرج لهم من صخرة صماء من الجبل، وقد تقدم قصصها، فأخبر الله تعالى صالحاً على جهة التأنيس أنه يخرج لهم الناقة ابتلاء واختباراً، ثم أمره بارتقاب الفرج وبالصبر. {واصطبر} أصله: اصتبر. افتعل، أبدلت التاء طاء لتناسب الصاد. ثم أمره بأن يخبر ثمود {أن الماء قسمة بينهم}: و{الماء}: هو ماء البئر التي كانت لهم، واختلف المتأولون في معنى هذه القسمة، فقال جمهور منهم {قسمة بينهم}: و{الماء}: هو ماء البئر التي كانت لهم، واختلف المتأولون في معنى هذه القسمة، فقال جمهور منهم {قسمة بينهم}: يتواسونه في اليوم الذي لا ترده الناقة وذلك فيما روي أن الناقة كانت ترد البئر غباً، وتحتاج جميع مائه يومها، فنهاهم الله عن أن يستأثر أهل اليوم الذي لا ترد الناقة فيه بيومهم، وأمرهم بالتواسي مع الذين ترد الناقة في يومهم. وقال آخرون معناه: الماء بين جميعهم وبين الناقة قسمة. و: {محتضر} معناه: محضور مشهود متواسىً فيه، وقال مجاهد المعنى: {كل شرب} أي من الماء يوماً ومن لبن الناقة يوماً {محتضر} لهم، فكأنه أنبأهم الله عليهم في ذلك. و: {صاحبهم} هو قدار بن سالف، وبسببه سمي الجزار القدار لشبه في الفعل، قال الشاعر [عدي بن ربيعة]: [الكامل]
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم *** ضرب القدار نقيعة القدام
وقد تقدم شرح أمر قدار بن سالف. و: تعاطى مطاوع عاطى، فكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضاً، فتعاطاها هو وتناول العقر بيده، قاله ابن عباس، ويقال للرجل الذي يدخل نفسه في تحمل الأمور الثقال متعاط على الوجه الذي ذكرناه، والأصل عطا يعطو، إذا تناول، ثم يقال: عاطى، وهو كما تقول: جرى وجارى وتجارى وهذا كثير، ويروى أنه كان مع شرب وهم التسعة الرهط، فاحتاجوا ماء فلم يجدوه بسبب ورد الناقة، فحمله أصحابه على عقرها. ويروى أن ملأ القبيل اجتمع على أن يعقرها، ورويت أسباب غير هذين، وقد تقدم ذلك.
والصيحة: يروى أن جبريل عليه السلام صاحها في طرف من منازلهم فتفتتوا وهمدوا {فكانوا كهشيم المحتظر}. والهشيم: ما تفتت وتهشم من الأشياء.
وقرأ جمهور الناس: {كهشيم المحتظِر} بكسر الظاء، ومعناه: الذي يصنع حظيرة من الرعاء ونحوهم قاله أبو إسحاق السبيعي والضحاك وابن زيد، وهي مأخوذة من الحظر وهو المنع، والعرب وأهل البوادي يصنعونها للمواشي وللسكنى أيضاً من الأغصان والشجر المورق والقصب ونحوه، وهذا كله هشيم يتفتت إما في أول الصنعة، وإما عند بلى الحظيرة وتساقط أجزائها. وحكى الطبري عن ابن عباس وقتادة أن {المحتظِر} معناه: المحترق.
قال قتادة: كهشيم محرق. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء: {المحتظَر} بفتح الظاء، ومعناه الموضع الذي احتظر، فهو مفعل من الحظر، أو الشيء الذي احتظر به. وقد روي عن سعيد بن جبير أنه فسر: {كهشيم المحتظر} بأن قال: هو التراب الذي سقط من الحائط البالي، وهذا متوجه، لأن الحائط حظيرة، والساقط هشيم. وقال أيضاً هو وغيره: {المحتظر}، معناه: المحرق بالنار، كأنه ما في الموضع المحتظر بالنار، وما ذكرناه عن ابن عباس وقتادة هو على قراءة كسر الظاء، وفي هذا التأويل بعض البعد. وقال قوم: المحتظَر بالفتح الهشيم نفسه وهو مفتعل، وهو كمسجد الجامع وشبهه.
وقد تقدم قصص قوم لوط. والحاصب: السحاب الرامي بالبرد وغيره، وشبه تلك الحجارة التي رمى بها قوم لوط به بالكثرة والتوالي، وهو مأخوذ من الحصباء، كان السحاب يحصب مقصده، ومنه قول الفرزدق: [البسيط]
مستقبلين شمال الشام تحصبهم *** بحاصب كنديف القطن منثور
وقال ابن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل المدينة: مصروف، لأنه نكرة لم يرد به يوم بعينه. وقوله: {نعمة} نصب على المصدر، أي فعلنا ذلك إنعاماً على القوم الذين نجيناهم، وهذا هو جزاؤنا لمن شكر نعمنا وآمن وأطاع.


المعنى: ولقد أنذر لوط قومه أخذنا إياهم، و: {بطشتنا} بهم، أي عذابنا لهم. و: {تماروا} معناه: تشككوا وأهدى بعضهم الشك إلى بعض بتعاطيهم الشبه والضلال. و: {النذر} جمع نذير. وهو المصدر، ويحتمل أن يراد {بالنذر} هنا وفي قوله: {كذبت قوم لوط بالنذر} [القمر: 33] جمع نذير، الذي هو اسم الفاعل والضيف: يقع للواحد والجميع، وقد تقدم ذكر أضيافه وقصصهم مستوعباً.
وقوله: {فطمسنا أعينهم} قال قتادة: هي حقيقة، جر جبريل شيئاً من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم. قال أبو عبيدة: مطموسة بجلد كالوجه. وقال ابن عباس والضحاك: هي استعارة وإنما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئاً، فجعل ذلك كالطمس.
وقوله تعالى: {بكرة} قيل: كان ذلك عند طلوع الفجر، وأدغم ابن محيصن الدال في الصاد من قوله: {ولقد صبحهم} والجمهور على غير الإدغام. {بكرة} نكرة، فلذلك صرفت. وقوله: {فذوقوا عذابي} يحتمل أن يكون من قول الله تعالى لهم، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة، {ونذر} جمع المصدر، أي وعاقبة نذري التي كذبتم بها، وقوله: {مستقر} في صفة العذاب، لأنه لم يكشف عنهم كاشف، بل اتصل ذلك بموتهم، وهم مدة موتهم تحت الأرض معذبون بانتظار جهنم، ثم يتصل ذلك بعذاب النار، فهو أمر متصل مستقر، وكرر {فذوقوا عذابي ونذر} تأكيداً وتوبيخاً، وروى ورش عن نافع: {نذري} بياء.
و {آل فرعون}: قومه وأتباعه ومنه قول الشاعر [أراكة الثقفي]: [الطويل]
فلا تبك ميتاً بعد ميت أجنه *** علي وعباس وآل أبي بكر
يريد: المسلمين في مواراة النبي عليه السلام، ويحتمل أن يريد ب {آل فرعون}: قرابته على عرف الآن، وخصصهم بالذكر، لأنهم عمدة القوم وكبراؤهم.
وقوله: {كذبوا بآياتنا} يحتمل أن يريد {آل فرعون} المذكورين. و: {أخذناهم} كذلك يريدهم بالضمير، لأن ذلك الإغراق الذي كان في البحر، كان بالعزة والقدرة، ويكون قوله: {بآياتنا} يريد بها: التسع، ثم أكد بكلها، ويحتمل أن يكون قوله: {ولقد جاء آل فرعون النذر} كلاماً تاماً، ثم يكون قوله: {كذبوا بآياتنا كلها} يعود الضمير في {كلها} على جميع من ذكر من الأمم المذكورة.
وقوله تعالى: {أكفاركم} الآية خطاب لقريش، وفهم على جهة التوبيخ. أثم خصلة من المال أو قوة أبدان وبسطة أو عقول أو غير ذلك ممنا يقتضي أنكم خير من هؤلاء المعذبين لما كذبوا، فيرجى لكم بذلك الفضل النجاء من العذاب حين كذبتم رسولكم؟ {أم لكم} في كتب الله المنزلة {براءة} من العذاب؟ قاله الضحاك وابن زيد وعكرمة، ثم قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {أم يقولون} نحن واثقون بجماعتنا منتصرون بقوتنا على جهة الإعجاب والتعاطي؟ سيهزمون، فلا ينفع جمعهم. وقرأ أبو حيوة {أم تقولون} بالتاء من فوق.


هذه عدة من الله تعالى لرسوله أن جمع قريش سيهزم نصرة له، والجمهور على أن الآية مكية، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كنت أقول في نفسي أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت في الدرع ويقول {سيهزم الجمع ويولون الدبر}.
قال القاضي أبو محمد: فإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر مستشهداً بالآية. وقال قوم: إن الآية نزلت يوم بدر.
وقال أبو حاتم: وقرأ بعض القراء: {سيَهزِم} بفتح الياء وكسر الزاي {الجمعَ} نصباً، قال أبو عمرو الداني قرأ أبو حيوة: {سنهزِم} بالنون وكسر الزاي {الجمعَ} نصباً. {وتولون} بالتاء من فوق، ثم تركت هذه الأقوال، وأضرب عنها تهمماً بأمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال: {بل الساعة موعدهم}. و: {أدهى} أفعل من الداهية: وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء. {وأمرّ} من المرارة، واللفظة ليست هنا مستعارة، لأنها ليست فيما يذاق.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وإتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر من حيث هم صائرون إليه، قال ابن عباس المعنى: في خسران وجنون، والسعر الجنون. وأكثر المفسرين على أن {المجرمين} هنا يراد بهم الكفار. وقال قوم المراد ب {المجرمين}: القدرية الذين يقولون إن أفعال العباد ليست بقدر من الله، وهم المتوعدون بالسحب في جهنم، والسحب: الجر. وفي قراءة ابن مسعود: {إلى النار}.
وقوله تعالى: {ذوقوا مس} استعارات، والمعنى: يقال لهم على جهة التوبيخ.
واختلف الناس في قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، فقرأ جمهور الناس: {إنا كلَّ} بالنصب، والمعنى: خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، وليست {خلقناه} في موضع الصفة لشيء، بل هو فعل دال على الفعل المضمر، وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق، إلا ما قام دليل العقل على أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات. وقرأ أبو السمال ورجحه أبو الفتح: {إنا كلُّ} بالرفع على الابتداء، والخبر: {خلقناه بقدر}.
قال أبو حاتم: هذا هو الوجه في العربية، وقراءتنا بالنصب مع جماعة، وقرأها قوم من أهل السنة بالرفع، والمعنى عندهم على نحو ما عند الأولى أن كل شيء فهو مخلوق بقدر سابق، و: {خلقناه} على هذا ليست صفة لشيء، وهذا مذهب أهل السنة، ولهم احتجاج قوي بالآية على هذين القولين، وقالت القدرية وهم الذين يقولون: لا قدر، والمرء فاعل وحده أفعاله. القراءة {إنا كلُّ شيء خلقناه} برفع كلُّ: و{خلقناه} في موضع الصفة ب كلَّ، أي أن أمرنا وشأننا كلُّ شيء خلقناه فهو بقدر وعلى حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك، فيزيلون بهذا التأويل موضع الحجة عليهم بالآية.
وقال ابن عباس: إني أجد في كتاب الله قوماً {يسحبون في النار على وجوههم} لأنهم كانوا يكذبون بالقدر، ويقولون: المرء يخلق أفعاله، وإني لا أراهم، فلا أدري أشيء مضى قبلنا أم شيء بقي؟.
وقال أبو هريرة: خاصمت قريش رسول الله في القدر فنزلت هذه الآية، قال أبو عبد الرحمن السلمي: فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه؟ أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى»، وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القدرية يقولون الخير والشر بأيدينا، ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني».
وقوله: {إلا واحدة}، أي: إلا قولة واحدة وهي: كن. وقوله: {كلمح بالبصر} تفهيم للناس بأعجل ما يحسون وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من لمح البصر. والأشياع: الفرق المتشابهة في مذهب ودين، ونحوه الأول شيعة للآخر، الآخر شيعة للأول.
ثم أخبر تعالى أن كل أفعال الأمم المهلكة مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وابن زيد. و: {مستطر} مفتعل من السطر، تقول سطرت واستطرت بمعنى، وروي عن عاصم شد الراء في مستطرّ، قال أبو عمرو: وهذا لا يكون إلا عند الوقف لغة معروفة.
وقرأ جمهور الناس: ونَهَر بفتح الهاء والنون، على أنه اسم الجنس، يريد به الأنهار، أو على أنه بمعنى: وسعة في الأرزاق والمنازل، ومنه قول قيس بن الخطيم: [الطويل]
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها *** يرى قائم من دونها ما وراءها
فقوله: أنهرت معناه: جعلت فتقها كنهر. وقرأ زهير الفرقبي والأعمش: {ونُهُر} بضم النون والهاء، على أنه جمع نهار، إذ لا ليل في الجنة، وهذا سائغ في اللفظ قلق في المعنى، ويحتمل أن يكون جمع نهر. وقرأ مجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان: {نهْر} ساكنة الهاء على الإفراد.
وقوله تعالى: {مقعد صدق} يحتمل أن يريد به الصدق الذي هو ضد الكذب، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به، ويحتمل أن يكون من قولك: عود صدق، أي جيد، ورجل صدق، أي خبر وخلال حسان.
وقرأ جمهور الناس: {في مقعد} على اسم الجنس. وقرأ عثمان البتي: {في مقاعد} على الجمع. والمليك المقتدر: الله تعالى.

1 | 2